ردا على الرمضاني ..قليل من الحياء …كثير من التلفيق
لم أكن لأرد على مقال كهذا، لولا أن صاحبه بلغ من الانحدار مبلغا لا يصح معه الصمت.
“شمكيران، الفاشل، المريض نفسيا، بائع الكلام، الصعلوك المدمن، الجذام السياسي…”
بهذا السيل من الأوصاف، افتتح رضوان الرمضاني مقاله الأخير، وكأنه يتوهم أن حفنة من الشتائم قد تسقط قامة مثل عبد الإله ابن كيران.
لكن بنكيران، بما يمثله، أكبر من أن تهزه مقالات الحقد، أو أن ينال منه من اعتاد الاصطفاف خلف الشاشات.
ما قرأناه لم يكن رأيا، بل انفعالا غريزيا من كاتب ضاقت عليه الكلمة، فاستبدلها بالسباب.
خطاب ابن كيران يوم فاتح ماي لم يكن خطاب إسفاف، بل كان مرآة.
مرآة عاكسة لزيف من ادعى أن لا علاقة للمغاربة بفلسطين، مرآة تعيد طرح سؤال التاريخ: لماذا سقطت الأندلس؟ لأن كل إمارة قالت: “إمارتي أولى من إمارتهم.”
طرح السؤال بصيغته البلاغية المعتادة: “ألم تقرؤوا التاريخ؟”
لكن يبدو أن أشباه المثقفين لا يقرؤون، وإن قرؤوا لا يفهمون، وإن فهموا لا يعترفون.
وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بكلمة الملك الراحل الحسن الثاني، في افتتاح البرلمان سنة 1990، حين قال:
“من الواجب علينا، ومما أعده فرض عين، أن يتداول كل مسلم وكل عربي مشاكل إخوانه، كانوا في الشرق أو الغرب، في الشمال أو الجنوب.”
فهل أصبح الوفاء لفلسطين ومآسيها خيانة؟
أم أن بنكيران وحده مطالب بالصمت حين يتكلم الآخرون؟
أما وصف “الحمار” و”الميكروبات”، فلعلك تجاهلت أو تعمدت نسيان أن الرجل لم يكن يسب المغاربة، بل كان ينتقد تيارا يروج للانهزامية والتفاهة، تيارا قال عنه بالحرف: “هؤلاء ليسوا مغاربة… هؤلاء شيء آخر.”
ويحق لنا أن نسأل:
من يشاهد ما يجري في غزة من قتل ودمار وأشلاء أطفال، ولا تتحرك فيه مثقال ذرة من الإنسانية، لا يقول “اللهم إن هذا منكر”، لا يهتز له وجدان، ولا يرف له جفن… ألا يعد هذا الوصف قليلا في حقه؟
من لم تهزه المآسي، لن تهزه الكلمات.
ومن اعتاد طأطأة الرأس أمام المال والنفوذ، طبيعي أن يصيبه الذعر من جرأة بنكيران.
ثم تقول إن الرجل يسيء إلى الملكية؟
هل تعلم من وضع سيارة الدولة والحماية الشخصية تحت تصرفه؟
وهل تظن أن المؤسسة التي فعلت ذلك تجهل ما تزعمه أنت؟
أم نصبت نفسك وصيا حتى على اختيارات الدولة؟
وفي هذا المقام، لا بد من السؤال الذي تهرب منه دائما:
لماذا لا تنتقدون رئيس الحكومة الحالي؟
لماذا لا نقرأ لك مقالات عن غلاء الأسعار، وانهيار المدرسة العمومية، والوعود الاجتماعية التي تبخرت؟
لماذا تصمت عن القوانين التي تمرر في الظل، وعن أرقام لا يصدقها حتى من كتبها؟
أم أن النقد عندك مباح إذا كان موجها إلى بنكيران، ومحرم إذا تعلق بأخنوش؟
ابن كيران لا ينتقم، بل يذكر.
لا يركب الموج، بل يصنعه.
لا ينافق، بل يصدح بما يؤمن به.
قالها بصراحة أمام الجماهير:
“أنا لست وليا، أنا عبد لله، ولا أقول لكم إلا ما أعتقد أنه حق.”
وأسألك بصراحة:
ما الذي أغضبك إلى هذا الحد؟
بنكيران لم يكن يوجه الخطاب إليك، بل إلى فئة بعينها، وصفها كما وصف، لأسباب بينها بوضوح.
فما الذي جعلك تقفز من مقعدك وترد بهذه العصبية؟
أهو مجرد تفاعل بريء؟
أم أنك أحسست في نفسك شيئا؟
وكما يقول المثل الدارج: “اللِّي فيه الفز كيقفز.”
خطاب لم ينطق باسمك، ولم يشر إليك، فإذا بك تندفع وكأنك المتهم الأول… هنيئا لك بهذا الاعتراف الذاتي.
وفي النهاية، لست أول من انزعج من هذا الرجل…
فابن كيران كان وما يزال، كاشفا للزيف، فاضحا للتزييف، صلبا حين تستدعي اللحظة الحزم…
لكنه في كل الأحوال، رجل واضح، حاضر، لا يشترى، ولا يعوض.
فهمتيني ولا لا؟
✍️ : عبد الواحد السلامي